- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التواصل الاجتماعي بين الوعي واللاوعي الجمعي

بقلم: د. هاني عاشور
شغلت فكرة الوعي الجمعي، المجتمع العالمي منذ اطلاق مفهومها على يد إميل دوركايم، وهو زعيم المدرسة الاجتماعية الفرنسية في أوائل القرن العشرين، واصبح لفكرته مريدون ودارسون لما اعتبروه ظاهرة اجتماعية تعمل على تغيير المجتمعات وافكارها وسلوك ابناء تلك المجتمعات، فالمجتمع يحدد طريقة تفكير الفرد ويصنع له افكاره ومعتقداته ورؤيته لما حوله وللمستقبل، لكنه ليس المصدر الاولي للمعرفة.
وبعد انتشار هذه الفكرة ظهر من يحاول تجديدها أو تحديها فبرز المحلل النفساني كارل يونغ هو الذي طرح خلال القرن العشرين، مصطلح «اللاوعي الجمعي»، قسّم اللاوعي إلى قسمين الشخصي والجمعي. اللاوعي الشخصي هو نتاج تجارب كل واحد منا. أمّا اللاوعي الجمعي فهو يولد من كل التجارب الإنسانية منذ فجر التاريخ يشترك في ذاك المعتقد والاسطورة والتراث والانتماء.
وفي عصرنا الحديث ومع تطور التكنلوجيا الرقمية وبروز الذكاء الاصطناعي وتطور التواصل الاجتماعي من خلال ذلك، اصبح الوعي منقادا دون ان يتمكن غالبية الافراد من معرفة الحقيقة وتقصيها ثم الخضوع لها لا اراديا.
واصبح موضوع الوعي الجمعي مثار نقاشات واسعة مع التطور الرقمي وبحث كثير من المفكرين التأثيرات العميقة للفكر الذي يسوّقه الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي و كان غوستاف لوبون من أوائل المفكرين، الذين درسوا سلوك الجماهير وتأثير الفكر الجمعي على الأفراد.
وفي كتابه «سيكولوجية الجماهير»، فرأى ان كثيرا من الافراد يخضعون لسيطرة الانفعالات الجماعية، واصفا الجماهير بأنها تنقاد وراء الحوافز العاطفية وتوجهات الزعامات أو الحركات الجماهيرية، وأن الفكر الجمعي قد يحيد بالعقل البشري، مما يؤدي به إلى تبني أفكار قد تكون بعيدة عن المنطق أو حتى المصلحة الشخصية.
إن تسويق الوعي الجمعي عبر الترويج الاعلامي والتواصل الاجتماعي أو الفعاليات السياسية، غالبا ما يثير الانفعالات أكثر من التوجه نحو التفكير العقلاني والمنطقي، وهذه الانفعالات تؤدي احيانا إلى اتخاذ قرارات متسرعة تنطلق من العاطفة بدل التعقل.
وفي عصر التكنولوجيا الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بقود الفكر الجمعي في تسارع انتشار المعلومة المغلوطة غير الصحيحة أو الشائعات وتسويق أوهام غير قابلة للتحقيق، ما يكلف الجهات الرسمية احيانا جهدا كبيرا لتكذيب هذه الشائعات أو محاولة تفسيرها بوجهها الصحيح، وكثيرا ما يعجر الفاعلون في المجتمعات، التي تدّعي المعرفة ان تكشف الأوهام التي تشكل وعي المجتمعات، وبذلك يمكن أن يؤدي هذا إلى نوع من التطرف الجماعي، حيث يصبح أي نقد أو تفكير مخالف غير مقبول وأي فكرة جديدة خارج نطاق العقل ويمنع تقبلها من الجميع دون دراية ومعرفة سبب حدوث هذا الفعل لان سيطرة الفكر الجمعي على المجتمع، تجعل الأفراد يواجهون صعوبة في تقبل الآراء المتنوعة والمختلفة، ما يؤدي إلى قتل اية فكرة تجديدية أو قابلة للنقاش ما يحرم المجتمع من ممارسه قدراته الفكرية في المشاركة بصناعة المستقبل أو تحييد غير المألوف وابداله بالفكر الجديد أو المواكب للمتغيرات والقابل على العيش في وعي المستقبل.
أقرأ ايضاً
- تفوّقٌ الوعي الوطني على الانقسام الطائفي
- الإبلاغ الرقمي عن المخالفات: تأثير المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي على بدء الملاحقات الجنائية.
- الحج والكعبة ونسبية الخشوع في زمن التواصل الإلكتروني